الملف الثقافي للشهيد يحيى عياش
قصيدة وطن وأنشودة أمة
بقلم : سمير عطية
ثالثا : مقتطفات من الأدب العياشي
قبل أن أشرع بعرض تلك المقتطفات الجميلة من رياض الأدب ، تلك التي احتضنت زهور الأقلام التي سالت وجعا وشوقا إلى الشهيد يحيى ، كنت قد أزلت كلمة " مقتطفات " من العنوان السابق ، ولكنني أعدت إدراجها في مكانها الصحيح لسببين اثنين أولهما أن هذه العبارة وردت نصا في كتائب فضائل الشهيد يحيى عياش للكاتب مخلص برزق كما أسلفنا ، وحفاظا على ريادته لهذا المصطلح أحببت أن أبقيه على ما هو عليه خاصة وأنني قد أوردت ما ورد في تلك المقتطفات في هذه المساحة مع فارق أنني فصلت الشعر عن النثر وثانيهما أنني أضفت إليها موادا أخرى من الشعر والنثر.
أما السبب الثاني فإنني وجدت أن كلمت المقتطفات أدق موضوعيا خاصة ونحن أمام عدد كبير من القصائد الشعرية والمقالات الأدبية النثرية في الشهيد ، فقطافنا من هذه الحدائق التي تحفل بالورود هو خير ما يمثل ما نحن بصدده من عرض لهذه المواد .
بقي قبل أن أعرض هذه المواد أن أنقل شكري عبر هذه السطور للقائمين على مجلة فلسطين المسلمة الغراء الذين كانوا مشعلا وضاء ومحضنا لكل الكتابات المتميزة عن البطل يحي فأطلت تلك الكتابات علينا بكل روعة وجمال وسحر أدبي أخاذ .
بقي أن أقدم اعتذارا حقيقيا لكل من كتب شعرا أو نثرا في الشهيد يحي ولم يتم نشره لأن السبب الأساسي في ذلك ليس ضيق المساحة ولكن الصعوبة الكبيرة في متابعة كثير من الدوريات والمجلات التي احتضنت تلك الأعمال الأدبية المتنوعة فالشهيد صار شمسا من شموس الأمة لا حماس وحدها أو فلسطين خاصة .
أولا : الشعر:
إلى روح الشهيد يحيى عياش
مضاء السيف...زفة البسمة
شعر : ماهر عبد الله
لأجمل وردة فينا
لأجمل غصن زيتون
يرف على روابينا
ليحيى سيد الأحباب
عادت أرضنا بكرا
ليملأها رياحينا
لأنك لم تجد منفى
يواري سوءة الباقين في المنفى
لأن زفافك الوردي
يأتي قبل موعده..
ليمسح دمعنا حينا
وينكأ جرحنا حينا
ستبقى عينك السمراء
وحيا في مآقينا
وتبقى خيلك البيضاء
ميلادا لحاضرنا
وأشعارا لماضينا
لأن الورد في شريانك العربي
فوّاح بعطر الله
لأنك حارس الأحلام
عطر ربيعنا المنسي
يحنو فوق كبوتنا
لأنك تحسن التوقيت والتغريد
لأنك لم تجد وطنا
حنونا مثل كل الناس
خذ من حزننا وطنا
وكن في قلبنا وطنا
لأنك حبلنا السري
لا ينفك يمنحنا
رحيق الحلم بالعيش
سنبقى دائما نمشي
حريقا يرفض الإقرار بالأموات والنعش
لأن النهر موعدنا
تدثر في خرير النهر
وامنح ماءه سكناً
كدفء صلاتنا في الفجر
تعال اكتب على دمنا
جميع حروفك الأخرى
لنحفظها
تعال افتح لنخلتنا
شقوقاً في جدار الغيم
كي تمتد ثانية
لزرقتها
تعال أعد إلى دمنا
ترانيم الهوى العذري
كي يصحو الغرام بنا
لأنك صرت زيت الروح في العتمة
وتجدل من يديك الريح والرحمة
وتزرع في حنايا القلب
شكل السيف والبسمة.
إلى الشهيد القائد يحيى عياش
أكبرت فيك الكبرياء
شعر : يحيى حامد
يتفتحون من الجراح
لا يهجعون ...ولا يجافون السلاح
كشقائق النعمان
في كل واد يطلعون
إذا أتى نيسان
ما بين غزة والجليل
ما بين بحر الروم...والنهر القتيل
في القدس يعلو ذكره
ويعرجون على الخليل
ويبشرون على المدى
بزوال ’’إسرائيل‘‘
يأتون في عصر الظلام
ليبعثوا فينا الضياء
سيماؤهم محفورة
بالنور بين عيونهم ...شهداء
ووجوههم بدرية..قدسية الإيماء
يأتون يحترفون في القدس الفداء
يأتون في عصر الخنوع ...لينسفوا الأسماء
ها أنت يا عياش تصعد
والقلوب تطير خلفك في السماء
وهدي روحك يمنح القدس الرجاء
وعيون أمك شاخصات في البراء
أكبرت فيك الكبرياء
أكبرت من سكبوا لعين القدس أنهار الدماء
ولعنت من باعوا الحياء
يا أيها النجم المسجى خذ مكانك في الفلك
المجد لك ولهم عروش من تنك
الخلد لك ولهم من الذل الضنك
لا تحفلن بهم وإن حضروا العزاء
ضحكاتهم لم يظهروها
لكن سيحتفلون إن حل الظلام
وسيشربون الكَأْسْ
لا تحفلن بغدرهم لا بأس
يكفيك أنك ما أملت الرأس
يكفي بكاء القدس ...يكفي بكاء القدس
ستظل حيا رغم أنف الغاصبين
ما فجرت فيهم حماس جندها
ما هاج موج البحر يهدر غضبا
ما أشرقت شمس على أرض النقب
ستطل فينا كل يوم شامخاً
وبريق عينك يستحيل إلى لهب
ويؤجج الأوطان يشعلها غضبا
ويؤزها لتقاوم الأعداء إن عز السلاح
فبالحجارة والمدى
لا يعرف الشهداء معنى للردى
ستطل روحك كل فجر كالندى
لتطير حول القدس تغسل سورها
بدم يسيل على المدى وتحيل غزة لعنة في درب من ركعوا
على باب العدا
مرثية الشهيد يحيى عياش
وغاب الجبين الحر
شعر : محمد عبد الرزاق أبو مصطفى
هتفَ الرحيلُ بنا فلا صوتٌ يردُّ ولا يجيبْ
والصمتُ يُسدلُ في هزيعِ الجرحِ أجفانَ الحبيبْ
مِن بعدِ أن زرعت بنا مليون شمسٍ لا تغيبْ
يا أيها الوجهُ المُكلّلُ بالشموعِ وباللهيبْ
***
يا أيها الليثُ المطارَدُ في مسافاتِ الخنوعْ
تَفديكَ أكبادٌ، وأحداقٌ، وأسيافُ الضُلوعْ
أيّ الرّثاء نَجُدْ بهِ والشعرُ بعدَك لا يُطيعْ
أيُّ القصيدِ نَقُلْ بهِ، والحرفُ مجهولُ المصيرْ
***
ما كانَ في الحُسبانِ أن نرثيكَ يا وجهَ الصُّمودْ
ما كانَ في أفلاكِنا – يوماً – بأنّك لن تَعودْ
هذي صبايانا تُزيّن لكَ النّوافذَ بالوُرودْ
وأحبَّةٌ كالزّهر يهتِفُ في مآقيها النشيدْ
لِتَصُوغَه عيناكَ فيها – بالشّذى – صُبْحاً مُنيرْ
***
أينَ اخْتَفتْ عيناكَ يا لهبَ المحبّةِ والجراحْ
كيفَ اختفَت كفّاك يا إيقاع هندسة الكفاحْ
مِن أينَ ننتظرُ انفجاراتٍ تَشقُ لنا الصّباحْ
وتُطيحُ بالأعداءِ تمزيقاً على هَوْجِ الرياحْ
فَيُزَغرِدَ البارودَ في أوصالِنا نَغَمَ الهديرْ
***
سقَطَتْ ذراعُ المجدِ يا (يحيى) وقد سَقطَ النّهارْ
غابَ الجبينُ الحرُّ في عَصْرِ الدّمارِ بِلا شَرارْ
لم يَبْقَ في السّاحاتِ إلا أنتَ في خُطى العِثارْ
يا صورةَ الأملِ المطرّزِ فوقَ أجناحِ الصُّقورْ
***
يا شُرفَةَ الحُبِّ الموشَّح بين آياتِ الشروقْ
يا دَفْقَةَ النُّورِ المُتيَّم في انثناءاتِ الطريقْ
يا صيحةَ الغضبِ المُقدّس في مَصبّات الحريقْ
مِن أينَ تَشتعِلُ الحرائقُ في دُجى الليلِ العَسيرْ
***
غابَ اللّهيبُ بِنا على مُرّ اللّيالي والسِنينْ
فاستبشَرَتْ أيّامُنا من فَوْقِ ثَغْرِكَ والعُيونْ
واستنشَقَتْ مِن وجْهِكَ الوضّاء أنوارُ الجبينْ
فتَدّفَقَت أرواحُنا تُفْدي ثَرى الوطنِ الحنونْ
وتَفجَّرت جُثَثاً ليَحيا موطنُ الحُبّ الكبيرْ
***
هذي أصابِعُكَ التي دكّت أساطيرَ اليهودْ
وتفنَّنتْ لتُذيقَ – كلَّ الرُّعب – أحفادَ القُرودْ
فإذا النّوائبُ تحتَويهم والصواعقُ والرُّعودْ
وإذا لياليهِم تَعُدُّ لهم وَعيداً في وَعيدْ
وتُعيدُهم بينَ المنافي أو نفاياتِ العُصورْ
***
عبثاً أطاحوا فارساً مُتَلفِّعاً لهبَ الشُّموسْ
عبَثاً أضاعوا جُهْدَهُم فالآنَ قد حَمِيَ الوَطيسْ
فَفِداكَ يا (عيَّاشُ) منّا كلّ غالٍ مَعْ نَفيسْ
وَفِدا فلسطينَ الحبيبةِ خافقاتٌ مَعْ رُؤوسْ
لِتَبُثَّ في السّاحاتِ مِن دَمِهَا أعاصيَر السّعيرْ
***
سَقَطَتْ مراثينا أيا (عيّاشُ) في تيهِ الظّلامْ
سَقَطَتْ مَراثينا وأحرُفُنا تموت بلا كلامْ
ماذا تبقّى بعد وجهِك يَنثني بينَ الزِّحامْ
ماذا تبقّى بعدَ صوتِك تحتَ هذا الانهزامْ
يا أنصعَ الطلقاتِ والراياتِ في بحرِ المسيرْ
***
يا صوتَ حرّياتِنا والليلُ يقتلعُ الصّهيلْ
يا وَهْجَ نيرانٍ تجودُ بها براكينُ الفصولْ
في كلّ عيدٍ لانتفاضتنا على الدَّربِ الطّويلْ
والآن يأتي عيدُنا لتَغيبَ في جَوْفِ الرّحيلْ
والدّهْرُ يرصُفُ في بقايانا نهاياتِ الضّميْر
***
مِنْ أينَ نبدأُ يا أخي دَرباً يُبدّده السرابْ
مِن أينَ نَلقَى أعيُناً تجلو لنا صُوَرَ العَذابْ
فامدُد يَديْك وخُذ بأيدينا إلى النّهجِ الصّوابْ
خُذنا بشلالاتنا دَفقاً على جِسْرِ الرِّقابْ
خُذنا تِباعاً نَعتَلِي رَكْبَ الحِمام المُستطيرْ
***
إنّ الحياةَ تهونُ بَعدَكَ يا تَواشيحَ الجِبالْ
ودماؤنا تَغْنَى لكي نُهديكَ عِيدَ الاشتِعالْ
والموتُ نَعشقُهُ هوى، يا خيْرَ أسيادِ الرّجالْ
والنّصْرُ في ساحاتِنا يُعلِي بها صُوَرَ النّضالْ
ويُكَلّلُ الصُّوَرَ الجليلةَ في صَدى الوجهِ الطّهورْ
***
عيناكَ تصحو في ليالينا بُنوداً مِن حماسْ
عيناكَ تشدو في مآقينا دُموعاً مِن نُحاسْ
وتَزُفُ في أطفالِنا وَجهاً يَطيبُ لهُ الغِراسْ
فانظُر لأعيُنِهم بُذوراً يختفي منها اليَباسْ
تَعلو لِتَنظُرَ مُقلتيْكَ، وتَقْتَبسْ وَهْجَ الهجيرْ
***
هذي بدايتُنا أيا وجهَ الهوى والكبرياءْ
فاشهَدْ حكايتنا لتعزفها على نهر الدماءْ
واشهد بأنّا لَن نبيعَ دِماكَ يا لهَبَ الإِباءْ
يا سيّدَ النيرانِ في دمِنا إلى دَربِ الفِداءْ
يا شُعلةَ الثّوّارِ في هاماتِنا، أنتَ الأميرْ
***
فاصدعْ بأمرِك مُعلِناً بِدْءَ المسيرةِ للجهادْ
إنّا بدأنا اليومَ، والتقوى لنا نورٌ وزادْ
نستَلهِمُ الإصرارَ مِن عينيكَ يا جُرحَ الفؤادْ
فامضي ونحنُ نسيُر جُنداً في لهيبِ الاتّقادْ
أرواحُنا لكَ موطنٌ..يا أيّها اللّيثُ الهصورْ
***
يا أيها القمر المسافر
الإهداء إلى الأسطورة الخالدة....إلى روح الشهيد الحي يحيى عياش
أيمن العتوم
يا أيها الصقر المحلق عفو هذا الكبرياء
يا أيها الأبد الذي لا ينتهي حبا بشرياني
ولا نوراً بآفاق السماء
أين انتهيت وأين شئت تحط في هذا الفضاء
ماذا عليك
وأنت أول من يعريهم
ويثبت أنهم كانوا نساء
ماذا عليك
وليس بعدك من يهز الرمح
أو من يقرأ الموت الزؤام على رؤوس الأدعياء
يا أول الأطهار في زمن الرذيلة والبغاء
يا آخر الشرفاء
ما من شريف بعد موتك
كلنا قصب تعالينا ولكنا خواء
يا راحلاً للخلد لا أرثيك أنت
لنا الرثاء
يا أيها البطل العظيم
أكان حقاً أن يظل الموت صاحبك الوحيد
أنا لست أدري كيف أبتدئ الرثاء
وكيف ابتدئ النشيد
عقمت عباراتي
وأي قصيدة توفي بمعشار الذي
من حق شريان الشهيد
يا أيها المزروع في برك الدماء
تبارك الهدف الذي تحيا له
وتبارك الدرب السديد
يا أيها القمر المسافر
من يضيء دروبنا في ظلمة الليل الشديد
من يحمل الرايات بعدك عالياً
من يصنع المتفجرات
ومن سيلقي الرعب في قلب اليهود
***
قتلوك
لكن الذين تجرأوا أن يقتلوك
هم الذين تجابنوا أن ينصفوك
فلربما ذرفوا الدماء عليك إكباراً
ولكن أقسموا أن يطعنوك
يا أيها الأسطورة الكبرى فديتك من تكون
ومن يعلمك الفداء
من الملائكة الذين تعهدوك
من أي روح أنت من أي العصور أتيت
كيف عشقت ألا يسلم الباغي
وألا يتركوك
***
يا صامتاً والرعد يشفق منه
حين يهز "إسرائيل"
يفعل فيهم ما ليس تفعله الجحافل
يا أيها الأسد الهصور
تكلمت منا السخافة واللجاجة
وتكلمت منك القنابل
كل الذين تصدرونا في حروب السلم
ما قتلوا دجاجة
وتفرقوا
كل يسوق إلى المسالخ في مهانتهم نعاجه
رضعوا حليب الجبن من زمن
وما فيهم مقاتل
تاريخنا من بعد أن حكموا مهازل
يا شاكما بالموت جل الموت
أسياد التراجع والتخاذل
رقصوا على أشلاء جسمك
وانثنوا طرباً على نوح الثواكل
وولاتهم قد فرقوا دمك الزكي على القبائل
فهم جميعاً شاركوا في طعنة أردتك
يا نجما تلألأ في الظلام
ويا مشاعل
ويا مشاعل
فإذا قضيت فما دروا
أن قد زرعت وراءك الآلاف من هذي السنابل
***
خمسون عاما
حربنا كذب وقتلانا ضحايانا
وقتلاهم دعاية
خمسون عاماً
والمسرحية تبتدي بدمائنا
وتظل تنهش من كرامتنا
وليس لها نهاية
خمسون عاما لم تزل
والمخرجون هم هم
وما تغير أي سطر من سخافات الحكاية
خمسون عاماً
والممثل يتقن الدور الذي كتبته أمريكا
على خوف
ويطلب في نهاية دوره منها حماية
عملاء نحمل في قفانا خبزنا
ونظل أعداء لنا
ونموت من أجل اليهود
وقد نبيع دماءنا
فأقرأ علينا موتنا
فأقرأ علينا موتنا
***
عياش يا حيا
ويا (يحيى) خذ التاريخ
واكتب فيه آيات الفداء
وانثر علينا روحه
قد باركتك يد السماء
يا صاعداً للمجد
ما علمتنا إلا البطولة والإباء
سنظل نذكر ما حيينا
كم قتلت من اليهود
وكم شفيت صدورنا
وملأتنا فخراً وعزاً وانتشاء
سنظل نذكر أيها الأسطورة العظمى
أياديك الوضاء
سنظل نهتف كلنا ( يحيى)
على نفس الطريق نسير
يحدونا جهادك والمضاء
يا خالداً حياً بأعماق الجميع
لك المحبة كلها ولك الولاء
ملحمة عياش
شعر: د. عبد العزيز الرنتيسي
عياش حيٌ لا تقل عياش ماتْ أو هل يجف النيل أو نهر الفرات
عياش شمسٌ والشموس قليلة بشروقها تهدي الحياة إلى الحياةْ
عياش يحيا في القلوب مجدداً فيها دماء الثأر تعصف بالطغاةْ
عياش ملحمة ستذكر نظمها أجيال أمتنا كأغلى الذكرياتْ
عياش مدرسة تشع حضارةً عياش جامعة البطولة والثباتْ
يا سعد أم أرضعتك لبانها فغدت بيحيى شامةً في الأمهات
اليوم يا يحيى ستنهض أمةٌ وتثور تنفض عن كواهلها السباتْ
ونعيد ماضينا ويهتف جندنا النصر للإسلام بالقسام آتْ
فتصيح من دفء اللقاء ديارنا عاد المهادر من دياجير الشتات
عبدت درباً للشهادة واسعاً ورسمت من آي الكتاب له سماتْ
وغرست أجساد الرجال قنابلاً وكتبت من دمك الرعيف لنا عظات
فغدت جموع البغي تغرق كلما دوى بيانٌ: من هنا عياش فاتْ
وارتد بأسهم شديداً بينهم وتفرقوا بين الحمائم والغلاة
هذي الألوف أبا البراء تعاهدت أن لا نجونا إن نجت عُصبُ الجناةْ
وتآلفت منها القلوب فكلها يحيى فويلٌ للصهاينة الغزاةْ
يا ذا المسجى في التراب رفاته من لي بمثلك صانعاً للمعجزات؟
أنعم بقبرٍ قد تعطر جوفه إذ ضم في أحشائه ذاك الرفاتْ
آن الأوان أبا البراء لراحة في صحبة المختار والغر الدعاةْ
أبشرْ فإن جهادنا متواصلٌ إنْ غاب مقدامٌ ستخلفه مئاتْ
عشاق الشهادة
مهداة إلى روح الشهيد البطل (يحيى عياش)
الدكتور: محمد الشيخ محمود صيام
(1)
(يحيى) وحادث الاغتيال وكيف دبر الاغتيال
والغدر والعملاء والمكر الشديد والاحتيال
وتآمر المتآمرين وما يقال ولا يقال
والقمع والإرهاب والسجن الطويل والاعتقال
هذا الذي يجري – لعمرك – تحت سلطة الاحتلال
(2)
لكنَّما الشعب الفلسطيني يختار الجهاد
ضد الغزاة – برغم كثرتهم – جنوداً أو عتاد
فيجندون لقمعه العملاء من كل البلاد
ويخر عشاق الشهادة من بنيه بكل وادْ
يتسابقون إلى جنان الخلد – كالخيل الجياد
(3)
واليوم دور أميرهم (يحيى) ليلحق بالصحاب
من بعد أن ذاق الغزاة على يديه من العذاب
ما طار منه صوابهم إن كان عندهمو صواب
وعزاؤنا أن سوف يسلك شعبنا نفس الشعاب
متمرداً ضد الغزاة فلا يكل ولا يهاب
(4)
(يحيى) فتى ماضي العزيمة لم يكن كالآخرين
خمسون شهراً وهو مثل الليث يأبى أن يلين
ومطاردات الجند والضباط والمستوطنين
لكنهم فشلوا جميعاً في الوصول إلى العرين
فاصطاده العملاء بالحقد الخياني الدفين
(5)
(يحيى) فتى رجل وفي أوطاننا قل الرجال
ترك الحياة ولهوها واختار ميدان النضال
وهو الذي رسم الطريق لمن يصر على القتال
لم يحن-كالمستسلمين- الرأس في ساح النزال
حذراً، فكيف اصطاده ذاك السؤال
(6)
ومضى قرير العين مرضياً ومرفوع الجبين
ودم الشهادة فاح منه كما يفوح الياسمين
ومنازل الشهداء في جنات رب العالمين
مشتاقة لتضمه بين العباد الصالحين
والخزي للمستسلمين وللطغاة المجرمين
(7)
وعجبت مما انحط فيه البعض من طرق الخيانة
ومن النفوس الراضيات عن المذلة والمهانة
فذكرت أقوال الذي أقوال وصفت زمانه
في قومنا الإخلاص قل وضيعت فينا الأمانة
وأصابنا حب الحياة على الهوان والاستكانة
(
يا فتية القسام لا تهنوا وإن عظم المصاب
فأميركم(يحيى) يطل اليوم من بين السحاب
ليرى بعين الروح ثورتكم فإن الجسم غاب
فأروه إصرار الأسود على مقارعة الذئاب
وأروه صبر الشيب في الهيجا وإقدام الشباب
(9)
وإليه ألف تحية ولكل من في الدرب سار
ولمن سيشعلها على المحتل والعملاء نار
يا أهلنا لا تيأسوا مهما يطل بكم الحصار
فكتائب القسام حاشى أن يقر لهم قرار
إلا إذا طردوا جنود الغزو من تلك الديار
(10)
فإن هوى منهم أمير قام ألف فتى أميرْ
مثل الأسود الشبل يولد وهو ضرغام خطير
فمتى نرى العرب الكرام الصيد في الوطن الكبير
يتدافعون إلى قتال بني(قريظة) و(النضير)؟!
ليحرروا مسرى النبي وينقذوا الأقصى الأسيرْ
رثاء حي
شعر : سمير عطيه
أريقوا الدمع يا قومي حماما على صهيون في(يحيى) انتقاماً
أريقوا الدمع تفجيراً يدوي ب(تل أبيب) ناراً أو ضراما
فنُسمعهم نشيداً من رصاص ومن دمهم قصيداً لا كلاما
ف(يحيى) في ضمير الشعب نقشٌ نورثه الورى عاماً فعاما
فقد سألوا لقدس الدار درباً فصاغ الدرب دمعاً بل عظاما
حبست الدمع كي أقتات صبري فصار الدمع في صدري سهاما
أسافر والحنين له بقرب فكيف البعد يُرجعُ ما ترامى
أهاجر عن بلاد يفتديها أما رضي الجبال له مُقاما
لقد لبى نداءً كان حلماً من الشهداء أن هيا فقاما
فسافر في جبين المجد نجماً يشق الليل يقتلع الظلاما
سلوا(حرم الخليل) يجيب عنه لقد كان المجاهد والهماما
فقد رد المدامع والرزايا بخمسٍ تأكل الباغي التهاما
فقرَّ العين من بعد التياع وأسعدت الثكالى واليتامى
ومن سن القنابل في يهود ففي الفردوس منزلةً تسامى
كفانا الفخر أنك من حماسٍ وهل تلد الشموس لنا ظلاما
وهل تحوي(الكتائب) غير مجد يقلده الزمان لها وساما
ف(طارق) يعتلى في الأفق خيلاً وينسج بالضياء لها اللجاما
يُداعب أرضه في كل صبحٍ ويمنحها النسائم والغماما
(عماد العقل) نبعٌ من صفاءٍ وحلم فيه قد زدنا هياما
تراه على الأعادي موج بحرٍ فيصنع من جماجمهم لثاما
وذا(عياشٌ) حيٌ رغم قتلٍ و(يحيى) لا يرو له ختاما
يُورق مضجع الباغين دوماً ويسقيهم جحيماً وانهزاما
أعاد بطولة (القعقاع) فينا وجدد مجد أسلاف عظاما
إذا مرَّ النسيمٌ بذكر (يحيى) رأيت الخلق قد قاموا احتراما
فإن شئت الخلود بلا انقطاعٍ فخذ بـ(كتائب العزِّ) المراما
فلا تهنوا فقد ترك(المهندس) صقوراً في الحوادث لا حماما
ألم تسمع(براءً) حين نادى يميناً أن سأجعلهم حطاما
وذا(عبد اللطيف) لنا رضيعٌ يخاف يهود إن بلغ الفطاما
فأصغِ لصوت(عياش) فمنه بنو صهيون قد سكنوا الرغاما
دعوا الأموات وامتشقوا الحساما دعوا وهماً يسموه السلاما
وسووا الأرض في أعداء دينٍ أذيقوهم من الثأر الحماما
أغنية الشهادة
د. عبد الجبار دية
هذي (حماس) بقضها قد أقسمت جهراً وهمسا
أن تُبقي الصمصام مرفوعاً، وللقرآن جرسا
قد أبد(الياسين) صنعتها، أقام الصرح أسا
ومضى يزكي جندها، ويعدهم عزماً ونفسا
(يحيى) يخطط أو يدبر، يلقن الأعداء درسا
ركب الحمام مطية، وطوى القرآن حزناً ودهسا
ما راعه زحف المنون ولا ظلام السجن حبسا
هو والطراد سبيله، لم يشك إعياءً وقعسا
وإذا الشهادة واليقين تزاوجا، لا تخش لبسا
هذي الجنان منازل، قد أمنوا هضما وبخسا
و(عماد عقل) كالمنون، إذا انبرى أو راح خلسا
طلع الخليل وبيت لحم زاحفاً ويعس عسا
جال البلاد شمالها وجنوبها في القدس أرسى
عرف الجهاد سبيله لم يخش إرهابا وبأسا
عاف النساء جميعهن ورام بين الحور عرسا
زهد الحياة نعيمها والثوب خزاً أو دمقا
اتخذ الشهادة غاية، ومضى يحس القو حسا
يتقدم الأبطال يرفع فوق هامتهم درفسا
وإذا البنادق لعلعت، أخرسن أقلاماً وطرسا
بك أيد الله الشهيد، وبارك الرحمن رمسا
وتنقلن بين الكواعب، لا يردن سواك أنسا
بين المقاصير الحسان، تنزهت رجسا ودنسا
ثنتان والسبعون حوراً، قد ملأن عليك نفسا
وجوار(أحمد) في رياض الخلد قد أغناك أنسا
من العراق... مهداة إلى روح الشهيد يحيى عياش!
لك المجد
شعر : رافع آل جعفر
يموتُ الخانعون وأنت حيّ وتخلد أيها الرجل الأبيُّ
وتنهارُ العروش وسوف يبقى على الأيام مِنبَرُكَ العليُّ
ويهوي في مهاوي الخزي علجٌ لبان الذل في فمه شهيُّ
صَمَتَّ فكنت أبلغهم مقالاً وراوغ عاسرُ فعراهُ عيُّ
مَنَحتَ الأرض روحَك يوم ضنّوا وشتان الأشحة والسخيُّ
وما موت الرجال نزول رمس ولكن موتهم ذل وغيُّ
وليس بضائر يحويك قبرٌ وذكرك عاطرٌ عبقٌ شَذيُّ
فلم يهن الركاز ببطن الرضى ولم يُكرم وإن ظهر الرديُّ
ويمكثُ تحتَ قعر البحر درُ ويطفو فوقه الزبد العفيُّ
سموت فكان قبر ك مستنارا ينير الدرب فيه فتى عصيُّ
جريء لم تنل منه الرزايا حصيف زانه عقل ذكيُّ
عصي دونه البارود لكن لإخوان الصفا قلب رضيُّ
أحال نهار صهيون ظلاماً فما عرف الرقاد بهم نجيُّ
ولم يسمر بناديهم ميسر ولم يحفل بمجلسهم حفيُّ
وصيَّر أفقهم ناراً تلظّى فآخر طبّ هذا الناس كيُّ
أعرني من شهابك بعض وردٍ فبعض النار للظمآن ريُّ
وبعض الماء للصادين موتُ إذا أغراهمُ العيشُ الرزيُّ
ومن قدْحِ الزناد يجيء فتحُ ومن إرعاد ينثالُ فيءُ
لك المجد الذي من قبل أرسى دعائمه على الوحي النبيُّ
وخطّ له الشهادة درب عزّ بها يحمي الحمى بطل كميُّ
فلست بأول الفادين نفساً ولست بآخر ينعى نعيُّ
ففي محرابه الفاروق أودى وفي محرابه أودى عليُّ
وقبلهما وبعدهما تهادَت مواكب للجنان لها دويُّ
ويبقى النبع دفّاقاً وتبقى سرايا الركب يحدوها سريُّ
وتبقى راية الإسلام تعلو ويبقى يُنجب الرّحم الزكيُّّّّ
***
يظن الخائبون الخلد قصراً وكرسياً يهيم به شقيُّّ
تُساقُ له الوصائفُ والجواري ويسقيه الكلي كفّ بغيُّ
ويحرسه من الإسقاط جمع ويحميه أخو خنع دنيُّ
فيا عجلاً لإسرائيل أقصِر فما ألوى بموسى السامريُّ
هزلت فبان معدنك الردي وشاه الوجه والكشف الخفيُّّّّّّّّ
توارت في عصا يحيى حبال ٌ لإسرائيل وابتُلِعَت عِصيُّّ
فطأطأ ساحرٌ وقضى غشومٌ ولان مكابر وهوى عتيُّ
فداك أبا البراء دعاة سلم لئيم القصد لو يجدي خديُّ
فما ميتٌ به تحيا بلادُ وما حيّ به موتٌ حريُّ
من الشعر الشعبي
ومضة أمل في ظلام اليأس
شعر: درهم يحي رسام " اليمن "
قال بداع بدأت القول وناديت يا رب اسألك حي يا قيوم أن تعجل جوابه
ليس لي حد سواك في كل حاجة ومطلب نحوك الملتجأ واللي إليك الإنابة
من طلب نصرته من ربنا ليس يغلب والذي يلتجي للخلق يحمل غلابه
دائما من لجأ للخلق يتعب وينصب والذي يدعو الرحمن ويدق بابه
فالفرج له قريب وعالم السر أقرب من حبال الوريد ومن دعا الله جابه
يا إلهي دعوتك والفؤاد نار تلهب وأنت يا حي يا قيوم سريع الإجابة
بت سهران أفكر في الزمن ذي تقلب اصبح العقل لا يعرف خطاه من صوابه
قلت يا هاجسي يا ألف أهلا ومرحب أنت عبر وقول وأنا علي الكتابة
آه من وضعنا المؤلم وذا الحظ القتب أمة الحق ما عادت في الناس مهابه
اليهود والنصارى كل من نحوها هب كل من منهمو حمس عليها كلابه
في فلسطين الأعداء ضد الإسلام تكالب ابن صهيون ضد الحق كشر بنابه
دنس القدس ذاك الرجس والكلب الأجرب أدخل الجند الأنجاس يفسدوا في رحابه
يقتلون العجوز والشيخ والطفل يسحب يستغيث العرب ما حد لصوته أجابه
بح صوته وهو مقهور مسحوب معذب ضاق حاله وما حد أنقذه من عذابه
ما وجد من دليل أبلغ وأقوى وأصوب كي يعبر عن الظلم الذي قد أصابه
غير أن ينفجر لما انفجر العدو هب قال هذا هو الإرهاب وعين الحرابة
يا دعاة السلام يا راعيه أين من حب أن يحل السلام في الأرض كاره غيابه
وانعقد مؤتمر طارئ مجامل مذبذب في بلاد العرب جدد مواقف معابه
واستجاب العرب وكل حاكم إليه هب والذي ما حضر أوفد إليه بالنيابة
هيئ العرب شرم الشيخ وسهل ورحب فندق الشرم في سيناء توسع رحابه
القرارات أعدت والغرض كان مرتب قبل أن تحضر الأعجال وقبل الخطابة
كم عميل لليهود لبى وللداع جوب واصفين الجهاد إرهاب وسيرة معابه
دون غيره على الأمجاد ذي أرث الأب هو بنى المجد واحنا عاملين في خرابه
يا ذيول العمالة والسلوك المعيب كل عاقل لموقفكم أدانه وعابه
عار يا عار يا للعار والعار انسب ما نصف به عربنا اليوم وما فيه غرابه
كل يوم تنظر ومن بالهراوات يضرب شعب في الشام عايش كالقطيع وسط غابه
الفتاة تغتصب وتلك الأموال تنهب والشباب بالألوف في السجن قضى شبابه
ذاك يقتل وذا يضرب وذا البيت يخرب كم مدن عائشة في الأسى والكآبة
تلك ثكلى وهذا الطفل محروم من الأب ذاك فاقد بنيه وذاك كل القرابة
ذاك يذبح وذا يحرق وذا الطفل يصلب دون ما حد يقول له لا ولا به رقابة
بل من العيب يا إخوان يوصف ويحسب ذلك الوضع بالإرهاب ويحسب حسابه
كم مذابح ينفذها إبن صهيون وتحجب كل مرة يفاجئنا بموقف مشابه
والعرب جالسة ترقص وتلهو وتلعب تسهر الليل تتمتع بصوت الربابه
جالسين يبحثوا ما بين ناب ومخلب عن سراب السلام وما اهتدوا نحو بابه
من نظر حالنا يضحك ويحزن ويغضب وضع مضحك ومبكي باعثا للغرابة
ابن صهيون يراوغنا وله ألف مقلب هو يفاوض في المحفل وجيشه يجابه
كل مرة يفاوضنا بنخسر ويكسب حاملين غصن من زيتون ويحمل حرابه
كم لنا في حوار ولا كسبنا أي مكسب نحن نحمل حمامتنا ويحمل غرابه
كل ما احنا تنازلنا تطمع وشعب والعرب في أمل والظلم جاوز نصابه
بعض حكامنا يمني النفس ترغب أن صهيون واضع للسلام في حسابه
منذ خمسين عام والكل قاسى وجرب راجين السلام وحاملين الغلابة
جاهلين إن صهيون كالأسد إن تغضب قد تظنه كما الضاحك مكشر بنابه
ها هي اليوم يا إخوان لبنان تضرب أي حاكم بيستنكر حذر في عتابه
كم أسر شردت وفي الملاجي تعذب كم وكم شيخ نادى ما حظي بالإجابه
كم اسر قد أبيدت في المدن ذي تخرب كم قصور شامخة تحولت كالخرابه
احرق الأيك والزيتون بالدم خضب يقصفه بالصواريخ قبل موسم صرابه
كيف تسالم أناس الغدر والقتل مذهب عندهم بل عقيدة سائغة مستطابة
لا سلام لا سلام لا سلم قد أخبر الرب قد أبان الحقائق واضحة في كتابه
ربنا قال ولن ترضى وحذر وعاتب من يوالي اليهود وخصنا في عتابه
كل واحد من الحكام شرق وغرب ويش كانت نتائج غربته واغترابه
ذا يوالي اليهود وذاك منهم تقرب ثم آخر يذكر بالصلة والقرابة
يظهر الود ويعد ابن صهيون كالأب وابن صهيون يعده واحدة من دوابه
يا بني قومنا هل يرتجى موقف صلب من مواقفكم العرجا الكسيحة يهابه
ابن صهيون ذي عربد وفي أرضنا صب كل حقده على الإسلام ومن اعتنى به
نهجكم ما يشرف نهج متعرج احدب آه وغبني على دم السلف والصحابه
يا بني قومنا ماشي لكم أي مهرب حكمة الله فيمن أهمل الدين وسابه
وضع من كأسه المر لازم الكل يشرب كل مسلم بيتجرع مرارة شرابه
ذل والله من نهج الجهاد قد تنكب ثم داهن عدو الله وسار في ركابه
هان والله من عن شرعة الحق يرغب مثلما الحمل مستهدف تنوشه ذئابه
حينما أحببتم الدنيا الوهن في الصفوف دب وأنزل الله سبحانه عليكم عقابه
أيها المسلمون عودوا الى منهج الرب تصبحوا قوة كبرى قوية مهابه
السلام تحت ظل السيف والسيف أقطب بل وأمضى من التنديد وطول الخطابه
الجهاد يا بني الإسلام ذي ربنا أوجب والمذلة أتتنا والوهن في غيابه
أبشروا يا رجال فالحل لا شك قرب هاهو الفجر لاح والليل مزق حجابه
جاءك العون يا قدس القداسة تأهب جاءك الفتح والله قد وعد باقترابه
فالحماس في (حماس) ازداد والعرب تلعب أصبح الطفل في الأقصى كما الليث يجابه
حاملا للحجر والقوس والسكين ومضرب ثار في القدس كالطوفان عالي جنابه
أيها الطفل في الأقصى أنت معلم ومضرب للمثل رافع الراية مجاهد مجابه
قد عرفناك بالاقدام بطلنا المجرب قد عرفناك معلم للذكاء والنجابه
أنت أبطل من الحكام وأغير وأنجب ابن صهيون منك صار فقد صوابه
أنت يا نجل عز الدين مجاهد ومهذب أنت ذكرتنا عهد النبي والصحابه
إن ترجلت يا عياش وفارقت مركب فالشباب المجاهد بايشدوا ركابه
آه وغبني على الضرغام ذي تقلب بالمهندس أللي سهم العدا قد أصابه
ذي أذاق اليهود المر أيضاً وقد ذب عن حياض أمة الإسلام وهبها شبابه
عقله الفذ قد فكر وأثمر وأنجب قد ترعرع على القرآن وعاش في رحابه
عاش قائد مربي للشباب المنقب ذوق المغتصب للقدس شي من حسابه
عاند القهر في العالم وصنع ونقب شذ متحررا كسر قيود الرقابه
هب ثائر كما ا لضرغام يزأر ويغضب بندق في اليمين وفي شماله كتابه
يا وجيه العرب هل ذلك الفهد أذنب حينما غار على أرضه وأطلق شهابه
إن تريدون فعلاً حل والحل الأنسب ذلك الشهم فعلا الذي يقتدي به
أم ترون الخضوع والذل أهون وأنسب والذي قام يثأر يتهم بالحرابه
هالجريمة إذا ذكر بخالد ومصعب غير آبه بما من اجل دينه أصابه
أين نخوة صلاح هل عالم اليوم أنجب واحداً مثلما الفاروق يزيح الكآبه
والصلاة والسلام أعداد الثمار والحب تبلغ المصطفى وآله والصحابه
ثانيا : النثر :
وقفة
عدد يحيى عياش"
افتتاحية العدد الخاص بالشهيد من مجلة فلسطين المسلمة – فبراير 1996م "
لأنه أجمل الأناشيد وقصيدة القصائد يحق له أن يتربع على معظم صفحات عددنا هذا ... لأنه أروع الأبطال الذين قلما يجود الزمان بمثلهم يحق له أن يكون فاتحة الرواية التي لا خاتمة لها..
فقصائد الأبطال لا تعرف الخاتمة بطبعها، لأنها تتمرد على حدود الزمان، لتبعث دفئها في شرايين التاريخ.
لأنه أجمل الشهداء، والمتربع على أجمل مساحات الروح، كان من حقه أن يكون سيد هذا العدد ، وقصيدة الأعداد كلها...فهذه المجلة كانت على الدوام تعشق الشهداء وتنتمي لفضائلهم ، وتغني أناشيدهم .
لأنه المهندس، الذي هندس أرواحنا على عشق المقاومة والتمرد على زمان الضعف والهزيمة، ولأنه أحيا فينا شجرة الأمل والبطولة، يحق لنا أن نحيا على ذكراه زمناً طويلاً، ونضع في أرشيفنا ومكتباتنا عدده الخاص وكتابه الخاص، ونشيده الخاص وقصيدته الخاصة..
لأنه ’’عياش‘‘ كان ’’عياش‘‘ وسيبقى ’’عياش‘‘ ، فالحياة بلا أبطال لا وزن لها، والأرض بلا شهداء لا يمكن أن تنبت غير الخور والهزيمة..وعياش، عاش لفلسطين، ولدين فلسطين وشهداء فلسطين، فكان سيدها بلا منازع.
لأنه صانع الشهداء تتقزم الأوراق والأقلام أمام بهاء دمه، وانفجار الروح فيه، ولكنها حيلتنا نحن الحاملين سيف الكلام وحبر الورق!!
يتعبنا رحيلك يا سيد الشهداء..يتعبنا لأنه يفضح أقلامنا ويعرّي أوراقنا عندما تعجز عن الوفاء لرسالتك والتطاول صوب علياء شهادتك..
شهادتك تفضح بضاعتنا، يا أروع الشهداء...ولكن ما حيلتنا، غير ذلك..
سنظل نكتب يا سيد الشهداء ونداري عجزنا بالكلمات ، فلعلنا بذلك نوفي شيئاً من حقك علينا...
لن نكتب افتتاحية هذه المرة ، لأن الافتتاح يعني أن ثمة خاتمة ، ودمك أيها الكبير لا خاتمة له .
رحل الذين نحبهم
بقلم : ياسر الزعاترة
كانت ليلة السبت 6/1 في فلسطين طويلة طويلة . وأطول من نشيد الحزن الذي أدمنه الفلسطينيون منذ حط غراب الاحتلال على رؤوسهم .لم تنم عصافير الجبال. ظلت تقرأ نشيد الابتهال الجميل وتجمد الماء في شرايين البرتقال الساحلي. فيما كان البحر يسكت أمواجه في انتظارٍ حزين. أما الصهاينة فقد سكروا حتى الثمالة، لقد قالت الأنباء أن عدوهم رقم (1) قد تمت تصفيته في غزة.
مر الليل ثقيلاًَ كما لم يكن من قبل، فيما حمل الصباح صوت الناعين الحزين: غاب البطل، وسكنت نبضات قلبه ، المدجج بعشق فلسطين وهوى الشهادة، مات يحيى عياش وتوقف عقل ’’المهندس‘‘ عن التفكير.
كان يحيى يداعب ( عبد اللطيف) ولده الثاني الذي خرج إلى الدنيا قبل 48 ساعة فقط، أما براء ذو السنوات الثلاث والذي لم يكن يرى أباه إلا طيفاً سارحاً في فضاء الحقول، فقد أخذته الغيرة وتشبث بقدمي والده، محاولاً الوصول إلى يديه اللتان تحتفلان بالقادم الجديد.
عندما جاء الهاتف في الغرفة الثانية وضع يحيى ( عبد اللطيف) وأبعد البراء وذهب يتحدث إلى الوالد الحزين، وبجانبه الام العظيمة، تلك التي لم يمض على خروجها من القيد سوى بضعة أسابيع وما أن فتح الخط حتى كان الانفجار، وتناثرت أشلاء يحيى في أرجاء الغرفة.
كان ثمة هزة وقشعريرة تدب في أرجاء فلسطين كلها، فالقلوب ينتابها الفزع البعيد، حين يصاب الحبيب عن بعد، سرى شعور عام بأن شيئاً ما قد حدث، وكالعادة كذبت القلوب الخبر وقالت : لعله خير!!
في الصباح خرجت فلسطين بأسرها إلى الشوارع في ذهول، فقد مات البطل، وانتهى الحلم الجميل غابت أسطورة فلسطين الأروع قتلها الزمن الصهيوني المدجج بالموت والقتل والعمالة.
بكى كل شيء في فلسطين ، إلا الصهاينة وأذنابهم المنتشرون كأسراب الجراد، في كل مكان، فهؤلاء احتفلوا على طريقتهم القذرة
نثر البحر موجه الغاضب وسرت غضبة في كل شيء بعد أن أعلنت الحكاية الجميلة خاتمتها المتمردة.
كل كلاب الأرض كانت تتربص بيحيى، والجميع يعرف ذلك، غير ان للفاجعة وقعها الأليم الذي لا تخففه احتمالات وقوعها الأكيد.
خرج القسام من أحراش يعبد وجاءت خلفه أسراب الشهداء..حضروا جميعاً إلى مسجد فلسطين لكي يشهدوا عرس التحاق فتاهم الأروع بهم.
وقف الشيخ الجليل في الجموع، وصاح صيحته التاريخية: إنه جهاد..نصر أو استشهاد ، فاستعادت الجبال والوديان والناس وقع الصدى...إنه جهاد ..نصر أو استشهاد.
مقابسات
د . حسن الأمراني
كيمياء
فكرت في أن يكون موضوع هذه الحلقة عن شاعر من اليمن ، وكنت كلما هممت بالكتابة حاصرني هاجس شعري عظيم وهيمن على مداركي، إن للشعر سلطاناً لا يقاوم، لقد استمر هذا الشعور أياماً طوالاً ، ينازعني وأستمهله، كنت أفكر في رمز من رموز أمتنا، يحيى بيننا، ويجسد ملحمة الإيمان الخالدة والمتجددة، إنه رمز حي يثبت وجوده أن هذه الأمة ليست عقيماً، وتؤكد حركته أن ظلام الجبابرة والمستكبرين عاجز عن وأد نور المستضعفين.
يتحرك مثل البرق خفيفا وبهيا، يكاد سناه يذهب بالأبصار، ويجوس كالسيف متقداً وصارما خلال الديار يستوطن قلوب أمته ، فلا تصل إليه يد آثم و لا تقع عليه عين ظنين .
لماذا لا نفكر في هؤلاء الذين يفصدون الدم الفاسد من شراييننا، ويجددون أنفاسنا ويلبسوننا حلة العنفوان وهم بين ظهرانينا؟
لماذا لا نؤازرهم وهم أحياء ولا نكون لهم أنصاراً وهم يرفعون هاماتنا إلى الشمس؟
لماذا نتصور أن النفير صار فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقي وننتظر من يقوم بهذه الفريضة نيابة عنا؟ لماذا نعلل أنفسنا التي أدركها الوهم بالتعليلات الكاذبة؟
وبدأت خيوط القصيدة تنسج وملامحها تكتمل، واستوى العنوان قائماً قبل استواء النص على الورق : كيمياء.
كان لبعض الكيميائيين القدماء ولوع بالتفكير في تحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب، أترى هنالك معدن خسيس؟ لم يكن أولئك في أحلامهم وفي مطامحهم وفي أوهامهم يختلفون عن عباد العجل الذهبي، مهما اختلفت مللهم وتباينت نحلهم ، لقد رضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها ، فسامتهم سوم العبيد، واستخدمتهم بدلا من أن يستخدموها .ذلك مبلغهم من العلم.
ولكنني كنت أفكر في كيميائي يتقن فن تحويل اليأس إلى أمل، والشك إلى يقين، والهزيمة إلى انتصار ، والتراب إلى جحيم يصلاه المعتدون ، كيميائي لم يعرف التاريخ له نظيراً، يعيد للأمة بهاءها وللأيام نضارتها في زمن السلم المغشوشة:
حجر يتحول في كف طفل نشيداً بهياً
ونصلاً يحاصر أحلام كل عتي عنيد
ونور القبر الشهيد
همة تتألق خضرة أيك
وتهدم أسوار شك
تستوي – والأعاصير – خندق جرح
وبيرق فتح
ونبع قصيد
كنت قد أويت مساء الجمعة 5 يناير 1996م إلى فراشي متأخراً متعباً، ولم أتمكن
من التقاط آخر الأخبار ، وفي الصباح الباكر ليوم السبت التقطت الخبر – الفاجعة : لقد اغتالوا الرمز الذي كنت تحلم بلقائه..لقد اغتالوا يحيى عياش ...
سقط الكيميائي إذن
أي هاجس يتملكك الآن؟
أي قصيدة قادرة على رسم المأساة؟
أي حرف يستطيع الآن أن يقيم القصاص ضد الجناة؟
وإلى أي جهة ستصوب سبابتك متهما؟
لا شك أن ( المهندس) كان هما مؤرقاً لإسرائيل، وكابوساً يحرمها من التقاط أنفاسها، وسيفاً مسلطا ًعلى جبروتها في الليل والنهار.. كان رأسه إذن مطلوباً من قبل أجهزة الأمن الإسرائيلية ومخابراتها، وقادتها العسكريين وحاخاماتها، ومن كل عرق فيها نابض، ولكن من قال إن الأنظمة المهرولة ، والمتزلفين وكهنة السلام المغشوش كانوا أقل حرصاً على طلب رأس المهندس عياش؟
سقط الكيميائي إذن؟
كلا ، لم يسقط ولكن الله تعالى يتخذ من المؤمنين شهداء لتكتمل الملحمة، وليصبح طريق الفجر أكثر إشراقاً.
إن يحيى الذي أخذ الرسالة بقوة لم يسقط بل لقد رضي لنفسه مكاناً علياً ، لم يمت بل إنه – كاسمه – يحيى بيننا ويستوطن خلايانا، بعدما علمنا مما علمه ربه . هو الكيمائي الحذق الذي جدد فينا بحياته ، الأولى والأخرى، إرادة الحياة كما استمدها من قبس النبوة ووعاها من سيرة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، وكأنه يردد من وراء الغيب وصية سيف الله المسلول: فلا قرت أعين الجبناء.
خصّت الأخت هيام عياش ( أم البراء) زوجة الشهيد يحيى عياش مجلة ( فلسطين المسلمة) بنشر الرسالة التي كتبتها في وداع زوجها
لن أقول وداعاً أبا البراء
يا راحلاً عنا ووجه الشوق في عينيه للضفة..ومفارقاً ما ودّع الأحباب يوما بل أودع الزيتون قلبه..ومصليا لله من قبل أن يسرج خيله، شد الرحال يحيى عياش طابَ الاستشهاد رحله... قسما سنوقد من دمائك ألف يحيى ألف شعلة..بكتك فلسطين يا يحيى وبكاك أطفالها ونساؤها وشيوخها بكتك الخليل وأرامل الخليل وأيتامهم ،بكاك بحر غزة يوم توقف لحظات حداداً على البطل. بكتك شوارع غزة وتراب الضفة وتراب فلسطين كلها الذي مشيت عليه وأبيت مغادرته.لا...لا...لن تموت بل ستبقى حيا في قلوبنا وفي قلب كل من عرفك وعاش معك وسمع عنك ومن كان معك في الجهاد ، لا لن نبكيك بل ستبقى ذكراك العطرة وعملياتك الاستشهادية وسياراتك المفخخة تشهد بأنك البطل والأب والمجاهد ونعم جند الكتائب.
إن سألتموني عنه ’’ أبو البراء ‘‘ فماذا أقول ؟ والله إن كل الكلمات لتعجز عن وصفه ولو تركنا طول العمر نكتب عنك ما وفيناك حقك يقولون كيف بدا ؟ وكيف عاش ؟ وكيف نشأ ؟ تساؤلات كثيرة في الأذهان حول هذا القائد المغوار الذي أرعب اليهود وأذاقهم مر العلقم ، جعل رابين لا يعرف للنوم طعما ولا راحة تحدى جيشا بأكمله وعلى رأسهم رابين الذي قال أريد أن أقتل يحيى عياش بيدي ولكنه والحمد لله خاب أمله فقد مات بحسرته وفرح أبو البراء بمقتله.
نشأ منذ طفولته وتميزت نشأته بالهدوء، والإيمان القوي الذي ألهمه الله إياه منذ نعومة أظفاره، حيث نما وترعرع في المساجد ورضع لبن العزة والكرامة وأبى الذل ونفر من الدنيا ومتاعها ، وبعد أن حصل على الثانوية توجه لإكمال دراسته الجامعية في بير زيت حيث درس الهندسة الكهربائية، ومنذ دخوله للجامعة حمل على كتفه الأمانة الثقيلة وهي تحرير الأقصى ونيل الشهادة في سبيل الله حيث كنت أقرأ في دفاتره دائما هذه الكلمات:
أماه ديني قد دعاني للجهاد وللفدا أماه إني زاحف للخلد لن أترددا
أماه لا تبكي علي إذا سقطت ممدداً فالموت ليس يخيفني ومناي أن استشهدا
رغم أنه كان قليل الكلام ،كثير الصمت ،يحمل في داخله حملا ثقيلا وأراد أن يجعل من علمه أداة لتفجير بني صهيون، عمل الكثير الكثير وسيّجه بسياج هو الصمت ، حتى انفجرت القنبلة التي عرفت الناس به، وأصبح مطاردا من قبل بني صهيون وأعوانهم في سنة 1993م، ومنذ ذلك الوقت أصبح مطارداً حيث ابتعد عن البيت ووهب حياته للجهاد وحمل السلاح على عاتقه ، وعندما نتحدث عن عملياته نقول: ’’ماذا تبقى لأم فقدت ابنا: وزوجه فقدت زوجاً : وطفلا فقد أباه ؟ سوى التلذذ بلحظات الانتصار التي يقوم بها بطلنا يحيى عياش في معركة ضد جيش يفوقه عدداً وعدة، حيث شفى غليل الصدور، ومسح دموع الأرامل في فلسطين عامة، والخليل خاصة ، فلقد ثأر لهم في مجزرة الخليل التي قام بها الصهاينة الذين قتلوا الركع السجود في شهر رمضان وهم ساجدون مجردون من السلاح.
وعند الحديث عن عملياته فالكثير يشهد له ، شارع ديزنكوف يشهد بالقتلى على أرضه وحطام الجثث المبعثرة من هول الانفجار، فقد كان لا يعرف للنوم طعماً ولا راحة فظل يجاهد في الضفة حتى ضاقت به الأرض بما رحبت مما اضطره للانتقال إلى غزة ليكمل مشواره الجهادي هناك ، ولكن بعد مدة من الزمن أحس وكأنه في سجن وقبل استشهاده بفترة اشتاق للرجوع إلى الضفة اشتاق إلى الرحيل وكأنه أحس أن موعد رحيله إلى ربه قد آن...والله إنه قد تعب في دنياه وآن الأوان لأن يستريح من عناء الدنيا ليلقى الله والرسول وأصحابه.
كان أبو البراء مثالا للزوج الحنون والأب المثالي ، فلقد عرفتموه مجاهداً أما أنا فقد عرفته زوجا وأبا وبطلاً، لا يهمه هم الدنيا وزخرفها وكان يشتاق إلى الشهادة، إنه لم يمت بل سيظل حياً في قلوبنا، لن ننساك أيها القائد المجاهد وستبقى ذكراك ترعب اليهود، وتجدد العزيمة أيها القائد... (( مسحت يا أبا البراء دموع اليتامى فمن يمسح دموع براء ويحيى، أسال الله أن يبعث فينا من يعوضك، قسما سنوقد من دمائك ألف يحيى وألف شعلة وإن العين لتدمع وإن القلب ليجزع وإنا على فراقك يا أبا البراء لمحزونون))
زوجتك / أم البراء
(( يا يحيى خذ الكتاب بقوة ، وآتيناه الحكم صبياً))
يحيى لم يمت...ولكنه انتصر..فهل نبحث عن نصرنا؟! ” بتصرف"
فرج شلهوب
لم يمت يحيى ،فبشهادته تفجرت الحياة في أشلاء واقع كاد أن يموت.
لم يمت يحيى، لأنه لحظة انفجار الهاتف بين يديه، وقريبا من سمعه، كانت حياة أخرى تتشكل في الجسد الفلسطيني كله ، أكثر عنفواناً وأكثر تصميماً على البقاء.
لقد كاد الطوفان يغرقنا قبل شهادته، فإذا بنا بشهادة يحيى..نحيا، وتدب في أصلابنا نشوة الحياة من جديد، وتتعطر الأرض – من بحرها لنهرها – بفوح من شذى الشهادة وعطر من دم الشهيد.
إنها جولة...لكنها لم تكن لهم .. وإن ظنوها كذلك، فكم كنا سنحتاج من وقت وجهد وعناء لنثبت لأولئك الأعداء وسواهم من المنهارين والمنكسرين، أن هذا الشعب لم يمت ، وأن نبض المقاومة في عروقه لم يزل حياً قوياً.
إنها جولة ...وجولة مؤلمة، لكنها في تداعياتها وما آلت إليه..لم تكن لهم في المطلق لم تكن لهم، فقد أعز الله بشهادة يحيى هذي الأرض والشعب – بجهاده الميمون طيلة أعوام أربعة فكان الأمن لنا وكان لعدونا الخوف والرعب.
فطوبى للشهداء لأن شهادتهم حياة، حياة لهم في الأولى والآخرة وحياة لأمتهم من بعدهم.
لقد أعيا الكثيرين التفكير..كيف يستقيم وقوفنا؟! وكيف نكون صحيحاً بعد أن أدمن الواهنون القعود؟! كيف..والانهيارات بين أيدينا وتحت أقدامنا ومن حولنا تتوالى لا تنداح موجة سقوط حتى تتبعها أخرى؟! كيف كيف يكون الصمود؟! وكيف كيف يكون النهوض؟
فإذا بالشهادة تزيح كل هذا الركام الثقيل ، في لحظة لم يتصورها ولم يتوقعها القتلة، ولا أولئك المهزومون المنسحبون من خنادق القتال....
ذلك أن الشهادة هي الملاذ في مواجهة إرهاب القتلة، وهي وحدها الطريق إلى الحياة في الدنيا والآخرة وأي طريق آخر لا يقود إلا للتهلكة وضياع الحقوق..واستعبادنا للقمة العيش، للتكتيك وإيثار السلامة.
فطوبى للشهداء طوبى لهم وحسن مآب، فهم باستشهادهم يعلموننا معنى الحياة، ويعلموننا برحيلهم عن دنيانا أكثر مما نتعلم من بقائهم بيننا.
إنهم يكشفون عن قلوبنا الغمة، وعن عيوننا غشاوة رانت على أبصارنا دهراً حين ارتضينا أن نسمع لفذلكة المتسيسين، وحين أصغينا – أكثر مما يجب –لمتطلبات المرحلة، وحين قبلنا وبالغنا في الانحناء اكثر فأكثر، لئلا يستأصلنا الموت في أيدي الآخرين..قريبين وبعيدين، فإذا بالشهداء يقولون لنا..بالشهادة وحدها يصمت الآخرون..قريبون وبعيدون وبالشهادة وحدها يستعيد الصدق مكانته في الصدارة وتتكشف سوءاتهم ، ولا بكون قول إلا للطلقة الصادقة، وللدم المشهر في وجوه القتلة.
يحيى ....على شرفه وكرامته...ليس أول الرصاص ولن يكون آخر ه وهو ليس أول الشهداء ولا آخرهم ، ولكنه كان اشتعالاً حميماً أطفأ بعضاً من حرقتنا للانتصار، كان كالبرق سطوعاً في حلكة الديجور المكفهر، يؤذن بغيث يأتي بعده.. يملأ جدب أرواحنا بالأمل والرجاء، كالبرق تماماً ليست انطفاءه إلا ميلاداً للحياة.
يحيى لم يمت، هو ذا يمشي بين الصفوف ، تراه في آلاف الوجوه التي شيعته، أو تلك التي اشتهت –كما الحياة – لو أنها شيعته أو في الأقل شاهدته، أو لامست كفه الشريف، فتعلمت كيف يضرب وكيف يصنع موتهم... ليصنع لنا الحياة؟
فهم – أولئك - لا يعيشون إلا على موتنا، ولا يكون فرحهم إلا حين تغيب شمسنا..يحيى لم يمت ه